رعى عميد كلية الآداب في جامعة اليرموك الدكتور محمد العناقرة، ندوة نظمها قسم التاريخ والحضارة في الكلية، بمناسبة ذكرى ميلاد جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال، في القاعة الدائرية بمبنى المؤتمرات والندوات، حضرها جمع من الطلبة وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية.
وتحدث في الندوة التي ادارها الدكتور رياض الياسين، كل من رئيس قسم الدراسات السياسية والدولية في الكلية الدكتور عماد عياصرة، والدكتور غازي العطنة والدكتور مهند الدعجة من قسم التاريخ والحضارة.
وقال العطنة: أتمَّ جلالته 18 سنة قمرية من عمره في 2 أيار 1953، فتولّى سلطاته الدستورية مدشّناً مرحلة جديدة في تاريخ الأردن الحديث، استمرت سبعة وأربعين عاماً (1952-1999) رافعاً شعار "فلنَبْنِ هذا البلد ولنخدم هذه الأمة" الذي جسّد فلسفته ونهجه في الحكم وشكّل ركيزة أساسية في توجيه الخطط التنموية وتوزيع مكتسبات التنمية لتشمل جميع أرجاء المملكة.
وتابع: قاد الحسين المسيرة بحكمة وحنكةٍ واقتدار في مرحلة تخلّلتها الأحداث الجسام والمنعطفات الخطيرة محلياً وإقليمياً ودولياً، واستطاع جلالته العبور بالأردن إلى برّ الأمان، جاعلاً منه أمثولةً في الاستقرار والنموّ والازدهار؛ وطناً قوياً محكم الدعائم، راسخ الأركان، فقد اتسم منهج الحسين في الحكم باستناده إلى مفاهيم الخدمة والبناء، والبذل والعطاء، والمساوة والإخاء، والوسطية والاعتدال، فحقّق الأردنّ في عهد جلالته نهضةً شاملة، حتى غدا منارةً للتقدم والعلم وذا مكانة دولية مرموقة.
وأضاف العطنة رعى جلالته منذ بدايات حكمه، مسيرة الحياة السياسية وتعزيز نهج الديمقراطية، مبينا أنه وبعد احتلال الضفة الغربية (1967)، وانطلاقاً من أنّ نظامَ الحكم في الدستور الأردني نيابيٌّ ملكيّ وراثيّ ومن أنّ الشعب مصدرَ السلطات، قرّر الحسين تشكيل المجلس الوطني الاستشاري عام 1978، لحماية القيم الدستورية وصيانة الروح الديمقراطية التي قام عليها الأردن الحديث.
وأشار إلى أن جلالته أولى القضيةَ الفلسطينية التي تمثّل للأردن "أمّ القضايا" والقضيةَ المركزية الأولى، جلَّ اهتمامه، حيث أخذ جلالته على عاتقه المطالبة بحلّ هذه القضية في جميع المحافل، وكانت رؤيتُه الحكيمة والثاقبة أساساً لكل مقترَحات الحلول والقرارات التي اتُّخذت تجاهها عربياً ودولياً، ومن أبرزها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) في عام 1967، والمشاركة في مؤتمر جنيف للسلام عام 1973، وتوقيع اتفاق مبادئ أردني فلسطيني عُرف بـ "اتفاق 11 شباط" عام 1984.
من جهته، قال عياصرة إن رحلة الملك الحسين في عرش الأردن شكلت فصلاً هامًا في تاريخ الشرق الأوسط، ولم تكن مجرد فترة زمنية في تاريخ الأردن، بل كانت سلسلة من التحديات التي واجهها ببراعة وتفانٍ في تحقيق التسوية والتقدم.
وأشار إلى أنه في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، كان الأردن ملتقىً لتنوع فكري معقد، مبينا أن الملك الحسين، أظهر براعة استثنائية في التعامل مع هذا التنوع، كما وابدى جلالته تفهمًا عميقًا للديناميكا الثقافية والسياسية، وجعل الحوار بين التيارات المختلفة جزءًا من رؤيته الحكيمة، وعليه يتجلى دوره في التسوية الإقليمية، من خلال الإنجاز الدبلوماسي الذي يُظهر فطنته السياسية والقدرة على التفاوض دون التخلي عن التزاماته تجاه القضية الفلسطينية، التي أولها جل رعايته واهتمامه وتسخير الطاقات لخدمتها.
ولفت عياصرة إلى أنه في ظل التحديات الاقتصادية والإصلاحات، فقد اعتمد الملك الحسين سياسات اقتصادية رشيدة، وقاد جهودًا لتعزيز القطاع الزراعي والصحي والتعليمي وتنفيذ إصلاحات هيكلية لتحقيق النمو المستدام، كما وقاد جلالته جهودًا لتحقيق التسوية الوطنية، ونجح في تحقيق التوازن وضمان الاستقرار الداخلي، فخاضً هذا التحدي بحكمة وفهم عميق للديناميكا المحلية.
وأكد أن الريادة الأردنية كانت حاضرة في تعزيز حقوق المرأة، من خلال متابعة واهتمام جلالته وتركيزه فيما يخص حقوق المرأة وتعزيزها، والتي كانت من بين أبرز ملامح حكمه الزاهي، حيث قاد جلالته جهودًا لتحسين مشاركة المرأة في مختلف المجالات، فساهم ذلك في بناء مجتمع قائم على تمثيل الجميع.
في ذات السياق، أكد الدعجة أنه في ذكرى الحسين الباني، نُمجد الماضي ونُخلد الحاضر، مبينا أنه في حبّ الحسين بن طلال يقال ما هو أكبر من اللغة، وأفصح من كل الكلمات، وأبلغ من كل المعاني، هو حبّ يحكي تاريخا عريقا نابضا بالعطاء والتميّز والايجابية والبناء لنهضة الأردن الحديث، الذي أصبح اليوم بقيادة جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني الدولة العربية الأكثر حضورا تنمويا وتطوّرا بكافة المجالات، والأكثر استقرارا وأمنا في عالم تعبث به الاضطرابات من كلّ صوب.
وأضاف، جلالته هو باني الأردن الحديث الذي أرسى دعائم نهضته الشاملة في جميع المناحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعمرانية، التي فتحت أعين وقلوب أجيال كاملة على مدى 47 عاما على انجازات وتطورات يومية، سعى لها الحسين، وهذا لم يقف عند حدود جغرافيا المملكة، إنما حضره في المحافل العربية والدولية، وكان مؤثرا ويتمتع بثقة عالية ولأرائه الاحترام والثقة المطلقة، ووضع القضية الفلسطينية في مقدمة أولويات أجندته وأجندة الأردن، فكان الحسين شخصية العالم الحاضرة في كل ّ يوم وفي كلّ حدث.
وتابع: عندما يحيي الأردن بأبنائه وبناته، ذكرى ميلاد الحسين، نقف على نوافذ الذاكرة نستذكر تاريخ الوطن الذي خرج كزهرة من بين الصخور، فطالما كان محاطا بمنطقة مضطربة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وحتى اجتماعيا، ليكون بناء الوطن هاجسه الدائم، لتكون حياته حافلة بالعطاء والإنجاز، وليكون الأردن بصورة أكثر ألقا وبحضور أكثر تميّزا على المستوى العالمي وليس العربي.
وأكد الدعجة في الحاضر يواصل جلالة الملك عبدالله الثاني المسيرة بحكمة، يبقى الأردن حالة عربية مختلفة تمكّن جلالته من جعل الأردن محطّ إعجاب وتقدير دول العالم نظراً لإصراره على الإنجاز وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، كما يشهد الأردن نقلة نوعية في مختلف مسارات التحديث الشامل، وتجاوز صعوبات وتحديات كبيرة تجاوزها بنجاح لم تعيق حركة تطوره أي صعوبات بل كان دوما يتجاوزها ويشكّل تقدّما دائما في ذلك، كما جعل جلالته الأردن واحة أمان وسلام في اقليم أقل ما يوصف به ملتهب، وفي منطقة مزدحمة بالاضطرابات، ليكمل جلالة الملك عبد الله الثاني المسيرة بكل نجاح واقتدار.